اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
shape
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
107263 مشاهدة print word pdf
line-top
باب ما جاء في الرقى والتمائم

بسم الله الرحمن الرحيم
باب: ما في الرقى والتمائم.
في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري -رضي الله عنه- أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره فأرسل رسولا ألا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت .
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك رواه أحمد وأبو داود .
وعن عبد الله بن عكيم مرفوعا: من تعلق شيئا وكل إليه رواه أحمد والترمذي .
التمائم: شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين؛ لكن إن كان ذلك المعلق من القرآن رخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه، وجعله من المنهي عنه منهم ابن مسعود رضي الله عنه، والرقى: هي التي تسمى عزائم، وخص منها الدليل ما ..ليس بشرك، فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة والتولة: هي شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته.
وروى أحمد عن رويفع قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رويفع لعل الحياة تطول بك؛ فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه .
وعن سعيد بن جبير قال: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة رواه .. وذكر عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن.


هذا الباب عقده لهذه الوسائل، أو لهذه الأمور التي هي داخلة في الشرك، وإن كان بعضها مباحا، فعقده للرقى والتمائم، لم يجزم بأنها شرك، قال: باب ما جاء، لم يقل باب إشراك أهل الرقى، أو باب أن الرقى والتمائم من الشرك؛ وذلك لما فيها من التفصيل، ذكر الحديث الأول في هذه القصة: ذكر أبو بشير الأنصاري أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولا ألا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت وذلك أنهم كانوا يعلقون الأوتار في رقاب الإبل للتبرك، وما هو الوتر؟ الوتر: شِرعة القوس؛ وهو القوس الذي يرمون به؛ عود يقطعونه وهو أخضر ثم يحنونه حتى يكون كنصف دائرة، وإذا يبس بقي على انحنائه؛ بقي كنصف دائرة متقوسا، ثم بعد ذلك يجعلون له شرعة؛ حبل غليظ يربطونه في طرفه المقدم، ويجعلون في الطرف هذا فرغا يجعلون فيه السهم الذي يرمون به، ثم إذا أرادوا الرمي يجرون هذا الحبل الذي يسمونه الوتر يجرونه حتى تتقارب طرفاه ثم يطلقونه، فبطبعه أنه ينفرج بسرعة ويقذف السهم، فيذهب السهم نحو مائة ذارع أو مائتين، قد يصل إلى ثلاثمائة إذا كان السهم قويا، والقوس جديدا أو نحو ذلك، في كلام الحجاج في خطبته لما قدم العراق يقول:
والقـوس فيهــا وتـر عـرض
مثــل ذراع البـكـر أو أشــد
يعني غليظ، فهذا الوتر الذي هو هذا الحبل إذا اخلولق بقي مثلا عشر سنين، أو نحوه ..يستعملونه يصير خلقا، فيتبركون به ويعلقونه في رقابهم، أو في رقاب أولادهم، أو في رقاب رواحلهم للتبرك، يزعمون أنه يدفع عنه شرا أو يجلب له خيرا، يقولون: هذا الوتر قد استعمل في نكاية أعدائنا فلابد أن فيه بركة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بقطعها في هذا الحديث: لا يبقى في رقبة بعير قلادة من وتر ؛ يعني إذا كانت من وتر وقصد التبرك بتقليده إياها فإنها تقطع، وقوله: أو قلادة شك من الراوي: هل قال قلادة من وتر خصه، أو قال قلادة وأطلق؟
لاشك أنه يجوز أن يجعل في رقاب الإبل قلائد كعلامات؛ سيما إذا كان هديا، فإنهم إذا أهدوا هديا إلى البيت يجعلون في رقابه قلائد، وتحترم تلك القلائد قال الله تعالى: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ إذا رأيتم هذه الإبل مهداة إلى البيت وفيها هذه القلائد؛ فلا يجوز لكم أن تأخذوا هذه القلائد فإنها محترمة، وعلامة على ذلك، فدل على أنه يجوز تقليدها بقلائد علامة عليها، وإنما الممنوع هو إذا كانت القلادة للتبرك، ولدفع العين، ولدفع اللص، وما أشبه ذلك.
فاستدل بذلك على قطعها من رقاب الإبل لهذا السبب؛ لأن ذلك يتعلق بها قلب الإنسان وكأنه تعلق بغير الله، تعلقوا بهذا الحبل، ماذا يفيدهم هذا الحبل؟ وماذا ينفعهم؟ وكيف يكون سببا في قمع الأعداء؟ وكيف يكون سببا في رد اللصوص؟ وكيف يكون سببا في النصر؟ وما أشبه ذلك، إنما هو مخلوق، أنتم الذين تفتلونه، وأنتم الذين تستعملونه، وأنتم الذين تعقدونه، فماذا يفيدكم؟ فلذلك جُعل هذا كوسيلة للشرك؛ لأن القلب يتعلق به قلوب أصحاب هذه الإبل.

line-bottom